فصل: (مسألة: تيمم ثم أحدث)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: من لا يستطيع الطهارة بنفسه لا يتيمم]

إذا لم يجد المريض من يناوله الماء.. صلى على حسب حاله، وأعاد ولا يتيمم!
فإذا لم يستطع أن يتوضأ بنفسه.. وضأه غيره. فإن لم يجد من يوضئه.. صلى وأعاد، ولا يتيمم.
وقال مالك: (إذا لم يجد من يناوله الماء.. تيمم).
وقال الحسن: إذا لم يجد من يوضئه، وخاف خروج الوقت.. تيمم.
وقال إسحاق: إذا لم يستطع المريض الوضوء بنفسه.. تيمم.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] وهذا واجد للماء لا يخاف الضرر من استعماله، فأشبه إذا كان قادرًا على استعماله.

.[مسألة: جمع فرضين بتيمم]

قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ولا يجمع بين صلاتي فرض).
وجملة ذلك: أنه لا يجوز للمتيمم أن يصلي بتيمم واحد فريضتين من فرائض الأعيان، سواء كان ذلك في وقت أو وقتين. وقد روي ذلك عن علي، وابن عباس وابن عمر، وعبد الله بن عمرو، والنخعي، وقتادة، وربيعة، ومالك.
وقال أبو حنيفة وأصحابه، والمزني: (يجوز له أن يصلي بالتيمم ما شاء من الفرائض إلى أن يحدث، كالطهارة بالماء).
وقال أبو ثور: (له أن يجمع بين فوائت في وقتٍ، ولا يجمع بين فرائض في أوقات).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] الآية.
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فكان الظاهر من هذا يقتضي: أن كل من قام إلى الصلاة، فعليه الغسل إن كان واجدًا للماء، أو التيمم إن كان عادمًا للماء أو خائفًا من استعماله كلما قام إليه، وإنما تركنا هذا الظاهر بالوضوء؛ بما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جمع بين صلوات عام الفتح بطهارة». فخرج هذا من مقتضى دليل الآية، وبقي التيمم على ما اقتضته الآية.
وروي «عن ابن عباس: أنه قال:من السُنَّة أن لا يصلي بالتيمم إلا صلاة واحدة، ثم يتيمم للأخرى» وهذا يقتضي سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ولأن التيمم طهارة ضرورية، فلا يجمع فيها بين فريضتين من فرائض الأعيان، كطهارة المستحاضة.

.[فرع: لا يجمع بين واجبين بتيمم]

ولا يجوز أن يجمع فيها بين صلاة فريضة وطواف واجب بتيمم، ولا بين طوافين واجبين.
وهل يجوز أن يجمع بين صلاة فريضة وبين صلاة منذورة، أو بين صلاتين منذورتين بتيمم واحدٍ؟
فيه قولان، حكاهما المسعودي [في "الإبانة" ق\36]، بناءً على أنه: هل يسلك بالمنذور مسلك المفروض، أو مسلك المندوب؟ فيه قولان.
فإن أراد أن يجمع بين صلاة مفروضة وبين ركعتي الطواف، أو بين طوافٍ واجبٍ وبين ركعتي الطواف بتيمم.. فيه قولان: أحدهماإن قلنا: إن ركعتي الطواف واجبتان.. لم يكن له ذلك.
والثاني: إن قلنا: إنهما سُنَّة.. كان له ذلك.

.[فرع: التيمم للفوائت]

وإن كان عليه صلوات فوائت، وأراد أن يقضيها في وقت واحد، وهو عادم للماء.. قال الشيخ أبو حامد: فإنه يطلب الماء للأولى، ويتيمم، ويصليها، فإذا أراد أن يصلي الثانية.. أعاد الطلب لها، ثم يتيمم وكذلك الثالثة والرابعة وإن كان في موضع واحدٍ، لأن ذلك شرط في التيمم.

.[فرع: حكم نسيان صلاة من يوم]

وإن نسي صلاة من صلوات اليوم والليلة، ولا يعرف عنها.. لزمه أن يصلي صلوات اليوم والليلة ليسقط الفرض عنه بيقين.
فإن كان عادما للماء، فأراد فرض القضاء بالتيمم.. فكم يلزمه أن يتيمم؟
فيه وجهان:
أحدهما: قال الخضري ـ من أصحابنا ـ يلزمه أن يتيمم لكل صلاة تيممًا؛ لأن كل صلاة قد صارت فرضًا.
والثاني: قال عامة أصحابنا: لا يلزمه إلا تيمم واحد، وهو الأصح؛ لأن وجوب ما زاد على المنسية؛ ليتوصل به إلى تأدية المنسية، فهي كالتابعة للمنسية، فلم تفتقر إلى تيمم تنفرد به.
وأما إذا نسي صلاتين من صلوات اليوم والليلة، ولا يعرف عينها.. فإنه يلزمه أن يصلي خمس صلوات أيضًا.
فإن كان عادمًا للماء، وأراد أن يصليهما بالتيمم، فإن قلنا بقول الخضري في الأولى.. لزمه هاهنا أن يتيمم لكل صلاة، على ما مضى.
وإن قلنا بقول الأكثرين في الأولى.. فإن ابن القاص قال: يتيمم لكل صلاة من الخمس؛ لأنه ما من صلاة من الخمس يصليها بالتيمم الأول، إلا ويجوز أن تكون هي المنسية، ويجوز أن تكون المنسية الثانية هي التي تليها، وقد زال حكم التيمم الأول بفعل الأولى، فلا يجوز أداء الثانية بتيمم مشكوك في صحته.
وقال ابن الحداد: يكفيه أن يصلي ثماني صلوات بتيممين: فيتيمم، ويصلي الصبح والظهر والعصر والمغرب، ثم يتيمم، ويصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فعلى أي تنزيل نزلت المنسيتين.. فإنه قد أدى إحداهما بالتيمم الأول، والثانية بالتيمم الثاني.
قال أصحابنا: وما قاله ابن القاص وابن الحداد صحيح كله على قول الأكثرين من أصحابنا في المسألة الأولى.
وأما على قول الخضري: فلا يصح هاهنا إلا قول ابن القاص، غير أن ابن القاص اجتهد في تقليل الصلوات وتكثير التيممات، وابن الحداد اجتهد في تكثير الصلوات وتقليل التيممات.
فإن غير هذا الترتيب الذي ذكره ابن الحداد، فصلى بالتيمم الأول الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم تيمم وصلى الصبح والظهر والعصر والمغرب.. لم يجزئ؛ لاحتمال: أن عليه العشاء مع الظهر، أو مع العصر، أو مع المغرب، فزال حكم التيمم الأول بفعل الأولى، فلم تصح له العشاء. فإن أراد أن يجزئه. صلى العشاء بالتيمم الثاني.
وإن بدأ فصلى بالتيمم الأول: العشاء والمغرب والعصر والظهر، ثم تيمم، فصلى المغرب والعصر والظهر والصبح.. أجزأه.
وإن بدأ فصلى بالتيمم الأول: المغرب والعصر والظهر والصبح، ثم تيمم، وصلى: العشاء والمغرب والعصر والظهر.. لم يجز له إلا أن يعيد الصبح بهذا التيمم الثاني.
وإن بدأ فصلى بالتيمم الأول من الصبح إلى المغرب، ثم صلى بالثاني من العشاء إلى الظهر.. فذلك جائز.
وقد ذكر بعض أصحابنا لما قال ابن الحداد أصلاً في الحساب، وهو: أنك تضرب المنسي في عدد المنسي منه، ثم تزيد المنسي على ما صح لك من الضرب، فتحفظ مبلغ ذلك كله، ثم تضرب المنسي في نفسه، فما بلغ من ضربه.. نزعته من الجملة التي حفظتها، فما بقي بعد ذلك.. فهو عدد الصلوات التي يصليها، وعدد التيمم بقدر عدد المنسي.
مثال ذلك في مسألتنا: أنك تضرب اثنين في خمسة، فذلك عشرة، ثم تزيد عدد المنسيتين على ذلك، فتجتمع لك اثنا عشر، ثم تضرب اثنين في اثنين، فذلك أربعة، فإذا نزعت ذلك من اثني عشر.. بقي لك ثمانية، وهو عدد ما تصلي به، بتيممين عدد المنسيتين.
وإن نسي ثلاث صلوات من خمس صلوات، ولم يعرف عينها.. فالعمل فيه على ذلك: أن تضرب ثلاثة في خمسة، فذلك خمسة عشر، ثم تزيد عليها ثلاثة، فذلك ثمانية عشر، ثم تضرب ثلاثة في ثلاثة، فذلك تسعة، فتنزعه من ثمانية عشر.. فيبقى لك تسعة، وهو عدد ما يصلي بثلاث تيممات.
فعلى هذا: يتيمم ويصلي الصبح والظهر والعصر، ثم يتيمم ويصلي الظهر والعصر والمغرب، ثم يتيمم ويصلي العصر والمغرب والعشاء.
وإن نسي أربع صلوات من خمس.. فالعمل فيه: أنك تضرب أربعة في خمسة، فذلك عشرون، ثم تزيد عليها أربعة، فتجتمع لك أربعة وعشرون، ثم تضرب أربعة في أربعة، فذلك ستة عشر، فتنزع ذلك من أربعة وعشرين.. ويبقى لك ثمانية، وهي عدد ما تصلي من الصلوات بأربع تيممات، فيتيمم ويصلي الصبح والظهر، ثم يتيمم ويصلي الظهر والعصر، ثم يتيمم ويصلي العصر والمغرب، ثم يتيمم ويصلي المغرب والعشاء، وعلى هذا: التنزيل.
فإن نسي صلاتين من صلوات يومين وليلتين، فإن كانتا مختلفتين، بأن قال: هما صبح وظهر، أو ظهر وعصر، أو صبح ومغرب، أو ما أشبه ذلك.. فهو كما لو نسي صلاتين من صلوات يوم وليلة على ما مضى.
وإن كانتا متفقتين، بأن قال: هما صبحان، أو ظهران، أو عصران، أو مغربان، أو عشاءان.. لزمه أن يصلي عشر صلوات. وفي التيمم وجهان:
أحدهماـ على قول الخضري ـ: يتيمم لكل صلاة من العشر.
والثاني: ـ على قول الأكثرين من أصحابنا ـ: يصلي صلوات يوم وليلة بتيمم، وصلوات يوم وليلة بتيمم.
فإن شك: هل هما متفقان، أو مختلفان.. لزمه أن يأخذ بالأشد، وهو: أنهما متفقان؛ لأنه أغلظ.

.[فرع: صلوات الجنائز والنوافل بتيمم]

وإن أراد أن يصلي على جنائز صلوات بتيمم واحدٍ، فإن لم يتعين عليه.. جاز؛ لأنها كالنافلة في حقه، بدليل: أنه يجوز له تركها.
وإن تعينت عليه.. ففيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز؛ لأنها إذا تعينت عليه.. صارت كفرائض الأعيان.
والثاني: يجوز، وهو المنصوص؛ لأنها لو كانت كفرائض الأعيان.. لم يكن له أن يصلي بتيمم على جنائز وإن لم تتعين عليه؛ لأنها بالفعل تتعين وتقع فريضة. هكذا ذكر ابن الصباغ.
ويجوز له أن يصلي بتيمم ما شاء من النوافل؛ لأن أمرها أخف؛ بدليل: أنه يجوز له تركها، ويجوز ترك القيام فيها مع القدرة عليه، بخلاف الفرائض.

.[مسألة: تيمم ثم أحدث]

إذا تيمم عن الحدث الأصغر.. استباح به ما كان يستبيحه بالوضوء. فإن أحدث.. مُنع مما كان يمنع منه قبل التيمم، كالمتوضئ إذا أحدث.
وإن تيمم الجنب.. استباح الصلاة وقراءة القرآن، وجميع ما يستبيحه بالغسل.
فإن أحدث الحدث الأصغر.. لم يجز له أن يصلي، ولا يمس المصحف، وجاز له قراءة القرآن، واللبث في المسجد، كما لو اغتسل ثم أحدث.
فإن قيل: هلا قلتم لا يجوز له قراءة القرآن، واللبث في المسجد؛ لأن الحدث أبطل التيمم، فإذا بطل التيمم، عاد حكم الجنابة؟.
قلنا: التيمم هاهنا نائب عن الغسل، والحدث لا يبطل الغسل، فلا يبطل ما ناب عنه.

.[مسألة: رأى الماء بعد تيمم وقبل الصلاة]

إذا تيمم لعدم الماء، ثم وجد الماء قبل الدخول في الصلاة.. بطل تيممه، خلافًا لأبي سلمة بن عبد الرحمن.
ودليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصعيد الطيب وضوء المسلم، ما لم يجد الماء، ولو عشر حجج، فإذا وجد الماء.. فليمسسه بشرته». ولأن التيمم لا يراد لنفسه، وإنما يراد لاستباحة الصلاة. فإذا قدر على الأصل قبل الشروع في المقصود منه.. لزمه العود إليه، كالحاكم إذا اجتهد، فتغير اجتهاده قبل تنفيذ الحكم.
وإن عدم الماء في الحضر.. تيمم وصلى، وبه قال أبو يوسف، وحكاه الطحاوي عن أبي حنيفة.
وقال زفر: لا يصلي. وروي ذلك عن أبي حنيفة، وهو قول مخرج لنا، قد مضى.
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصعيد الطيب وضوء المسلم، ما لم يجد الماء». ولم يفرق بين السفر والحضر.
فإذا وجد الماء بعد ذلك.. لزمه أن يعيد الصلاة.
وقال مالك:لا إعادة عليه. وبه قال الثوري، والأوزاعي، والمزني، وحكى المسعودي [في "الإبانة" ق\33] أنه أحد قولي الشافعي.
والأول أصح؛ لأن عدم الماء في الحضر عذر نادر غير متصل، فلم يسقط عنه فرض الإعادة، كما لو صلى بنجاسة نسيها.
فقولنا: (نادر) احتراز من عدم الماء في السفر.
وقولنا: (غير متصل) احتراز من الاستحاضة، ومن سلس البول؛ لأن الأعذار على ثلاثة أضرب:
الأول: عذر معتاد: وهو السفر، والمرض.
والثاني: عذر نادر متصل: وهو الاستحاضة، وسلس البول.. فهذان العذران يسقط معهما فرض الإعادة.
و الثالث: عذر نادر منقطع: وهو عدم الماء في الحضر، وخوف البرد في الحضر، ومثل أن يحبس في موضع لا يمكنه فيه القيام.. فيصلي قاعدًا. أو يجبر على الصلاة قاعدًا، وما أشبه ذلك.. فهذا لا يسقط معه فرض إعادة الصلاة.

.[فرع: وجد المسافر الماء بعد صلاته بتيمم]

وإن تيمم في السفر لعدم الماء وصلى، ثم وجد الماء، فإن كان السفر طويلاً.. لم يجب عليه إعادة الصلاة.
وبه قال عامة العلماء، إلا ما حكي عن طاووس، فإنه قال: عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة.
دليلنا: ما روي: «أن رجلين كانا في سفر، فعدما الماء، فتيمما وصليا، ثم وجدا الماء، فأعاد أحدهما، ولم يعد الآخر، فأتيا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبراه بذلك، فقال للذي لم يعد: أصبت السُنَّة، وقال للذي أعاد: لك أجران».
ولأن عدم الماء في السفر عذر عام، فهو كما لو صلى مع سلس البول.
وإن كان السفر قصيرًا.. فهل يلزمه الإعادة؟ فيه قولان:
أحدهما: يلزمه الإعادة؛ لأنه سفر لا يجوز له فيه القصر والفطر، فهو كالحضر.
والثاني: ـ وهو الصحيح ـ: أنه لا إعادة عليه؛ لأنه موضع يعدم فيه الماء غالبًا، فهو كالسفر الطويل.
وقال الشيخ أبو حامد: وإذا خرج الرجل إلى ضيعته وبستانه، فعدم الماء.. كان له أن يتيمم، وينتفل على الراحلة، ويأكل الميتة إذا اضطر إليها.
فعلى مقتضى ما قاله: يكون سفرًا قصيرًا، وفي إعادة ما صلى فيه بالتيمم القولان.

.[فرع: التيمم في سفر المعصية]

وإن كان في سفر معصية فعدم الماء.. فهل يستبيح الصلاة بالتيمم؟ فيه وجهان:
أحدهما ـ حكاه في "الفروع" ـ: أنه لا يستبيحها، ولكن يقال له: تب واستبح الصلاة بالتيمم، كما يقال له: تب وكل الميتة، إن كنت مضطرًا إليها.
والثاني: يستبيحها، وهو المشهور؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء: 43] إلى قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] ولم يفرق.
فعلى هذا: هل يلزمه إعادة ما صلى بالتيمم؟ فيه وجهان:
أحدهما: يلزمه؛ لأن سقوط الفرض بالتيمم رخصة تختص بالسفر، فلم يستبح ذلك في سفر المعصية، كالفطر والقصر.
والثاني: لا يلزمه الإعادة، لأنه صلى صلاة صحيحة بتيمم في سفر، فلم يلزمه الإعادة، كما لو كان السفر مباحًا.

.[فرع: تيمم لفقد الماء فجاء ركبٌ]

قال في "الأم" [1/41] (فإن تيمم، فلم يدخل في الصلاة، حتى طلع عليه ركبٌ.. لزمه أن يسألهم عن الماء، سواء علم أن معهم ماء أو لم يعلم، فإن كان معهم ماء، فلم يبذلوه له، أو وجد ماء فحيل بينه وبين الماء.. بطل تيممه الأول).
قال في "الأم" [1/41] (ولو ركب البحر، ولم يكن معه ماء في مركبه، ولم يقدر على استعمال ماء البحر لشدة.. تيمم وصلى، ولا إعادة عليه؛ لأنه غير قادر على الماء).

.[فرع: إعادة طلب الماء إذا تيمم وثم حائل]

ذكر في "العدة": ولو تيمم لعدم الماء، ثم رأى الماء ودونه سبع، فإن رآهما معًا، أو عرف مكان السبع أولاً، ثم رأى الماء.. فتيممه باقٍ.
وإن رأى الماء، ثم عرف أنه محول دونه.. أعاد الطلب والتيمم؛ لأن الطلب والمصير إليه قد لزمه.
وكذلك لو رأى ماء في قعر بئر، وليس معه رشاء ولا دلو، فإن علم مكان الماء، وهو عالم بأنه لا آلة معه ذاكرٌ لذلك.. لم يبطل تيممه.
وإن رأى الماء وعنده أن معه آلة النزح، فلا طلب، أو تأمل ولم يجد.. أعاد التيمم.
قال في " المذهب ": وإن تيمم، ثم وجد الماء وهو محتاج إليه لعطشه، أو لبهائمه.. لم يبطل تيممه؛ لأنه لو كان موجودًا معه.. لم يلزمه استعماله.

.[فرع: إراقة ما معه من الماء]

وإن كان معه ماء فأراقه، وتيمم وصلى، فإن أراقه قبل دخول الوقت.. لم يلزمه إعادة ما صلى بالتيمم؛ لأنه أراقه قبل توجه فرض الطهارة عليه.
وإن أراقه بعد دخول الوقت.. فهل تلزمه الإعادة؟ فيه وجهان:
أحدهما: يجب عليه الإعادة؛ لأنه فرط في إتلاف الماء، وترك الطهارة به مع القدرة عليها.
والثاني: لا يجب عليه الإعادة، وهو اختيار القاضي أبي الطيب؛ لأنه بعد الإراقة عادم للماء إن كان قد عصى بالإراقة.. فهو كمن قطع رجله، فإنه يعصي بذلك، وإذا صلى جالسًا... أجزأه.

.[فرع: رأى الماء أثناء الصلاة]

وإن تيمم لعدم الماء، ودخل في الصلاة، ثم وجد الماء في أثناء الصلاة، فإن كان ذلك في الحضر، أو في سفر قصير وقلنا: يلزمه الإعادة.. بطلت صلاته؛ لأنه تلزمه الإعادة، وقد وجد الماء، فوجب أن يشتغل بالإعادة.
وإن كان سفرٍ طويلٍ، أو في سفر قصير وقلنا: لا تلزمه الإعادة.. لم تبطل صلاته. وبه قال مالك، وداود.
وقال أبو حنيفة، والثوري، والمزني، وأبو العباس ابن سريج: (تبطل صلاته)، إلا أن أبا حنيفة يقول: (لا تبطل صلاة الجنازة والعيدين، ولا تبطل أيضًا الصلاة برؤية سؤر البغل والحمار).
وقال الأوزاعي: (تصير نفلاً).
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الشيطان ليأتي أحدكم وهو في صلاته، فينفخ بين أليتيه، ويقول: أحدثت، أحدثت.. فلا ينصرف حتى يسمع صوتًا، أو يجد ريحًا».
فمن قال: ينصرف إذا رأى الماء.. خالف ظاهر الخبر. ولأنه دخل في صلاة معتد بها، فلم تبطل برؤية الماء، كصلاة الجنازة والعيد.
فقولنا: (معتد بها) احترازًا منه إذا رأى الماء في صلاة الحضر.
إذا ثبت هذا: فهل له الخروج منها؟
من أصحابنا من قال: الأفضل له أن يخرج منها؛ لأن الشافعي قال في (الكفارات): (إذا وجد الرقبة في أثناء الصوم.. الأفضل أن يرجع إلى العتق). ولأنه يخرج بذلك من الخلاف.
ومنهم من قال: لا يجوز له الخروج منها؛ لأنها صلاة فريضة صحيحة، فلا ينصرف عنها.
والأول أصح؛ لأن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - استحب لمن دخل في الصلاة منفردًا، ثم رأى الجماعة يصلون... أن يخرج منها؛ ليصلي مع الجماعة. والخروج إلى الطهارة أولى.

.[فرع: تيمم ورعف في الفرض]

قال في "الأم" [1/41] (وإن تيمم، فدخل في المكتوبة، ثم رعف.. انصرف، فإن وجد الماء.. لزمه أن يغسل الدم ويتوضأ. وإن لم يجد من الماء إلا ما يغسل به الدم عنه.. غسله واستأنف تيممًا؛ لأنه لما لزمه طلب الماء.. بطل تيممه).
وإن صلى متيمم بمتوضئين، ومتيممين، فرأى المتوضئ الماء في أثناء الصلاة.. لم تبطل صلاته؛ لأن رؤية المأموم المتوضئ للماء ليست برؤية للإمام المتيمم، فلم تبطل به صلاة المتوضئ، كما لو كان منفردًا.

.[فرع: صلى بتيمم فرأى الماء ونوى الإقامة]

وإن دخل المسافر في الصلاة المفروضة بالتيمم، ثم رأى الماء في أثنائها، ثم نوى الإقامة بعد ذلك.. ففيه وجهان:
أحدهما ـ وهو قول ابن القاص ـ: أن تيممه يبطل، وتبطل صلاته؛ لأنه صحيح مقيمٌ واجد للماء، فبطلت صلاته، كما لو عدم الماء في الحضر، فتيمم وصلى، ثم رأى الماء في أثناء الصلاة.
والثاني ـ حكاه في "العدة" ـ: لا تبطل صلاته؛ لأنه افتتحها مع عدم الماء، فكان مأذونًا فيه، فوجود الماء لا يؤثر في إبطال الصلاة، وجواز التيمم يفترق في الحضر والسفر، وإنما يختلفان في الإعادة.
وأما إذا نوى الإقامة دون رؤية الماء.. لم تبطل صلاته.
وقال القفال: إن كان في موضع لا يوجد فيه الماء غالبًا.. لم تبطل صلاته، وإن كان في بلد أو قرية.. بطلت صلاته.
فإذا قلنا: لا تبطل صلاته.. فهل يلزمه الإعادة؟ فيه وجهان:
أحدهما: تلزمه؛ لأنه يصير في حكم المتيمم للصلاة حال الإقامة لعدم الماء، فلزمته الإعادة.
والثاني: لا تلزمه الإعادة، وهو قول ابن الصباغ؛ لأن الاعتبار في التيمم بالموضع الذي يوجد فيه الماء نادرًا أو معتادًا، وهذا لا يقف على النية.

.[فرع: رأى الماء حال صلاته بتيمم]

وإن دخل في الفريضة بالتيمم، ثم رأى الماء في أثناء الصلاة، فلم يفرغ من الصلاة حتى فني الماء.. فهل يجوز له أن يتنفل بذلك التيمم؟ فيه طرق:
أحدها ـ وهو المشهور ـ: أنه لا يجوز له؛ لأنه إذا رأى الماء، لم يكن له استفتاح الصلاة، كما لو رآه قبل الدخول.
والثاني: ـ وإليه أشار ابن الصباغ ـ: أنه يجوز له التنفل؛ لأن هذا الماء لم يلزمه استعماله لهذه الصلاة، ولا قدر على استعماله، فلم يبطل تيممه.
قال: ويلزم من قال: لا يصلي النافلة بالتيمم، أن يقول: إذا مر عليه ركب، وهو في الصلاة، ففرغ منها، وقد ذهب الركب.. لا يجوز له أن يصلي النافلة.
والثالث ـ حكاه أبو علي السنجي ـ: إن لم يعلم بتلفه قبل الفراغ.. لم يتنفل به، وإن علم بتلفه قبل الفراغ فوجهان.